كل شيءٍ فيّ يهطل ..

ماذا تريدون من رجلٍ أعزل أن يقول عن طقس لطخه الغبار حتى ارتداه ثوباً .. ثم لطخته الأمطار .. ولمَ تنس طفلةُ في السابعة من عمرها في تلك اللحظة أن تلوّح بيدها من مقعد سيارة خلفي وهي تضحك ببراءة ، وكأنها تقول: “هذا طيف أحلامك يا غريب” !!

اليوم .. مختلفٌ عن الأمس تماماً

فوجه العاصمة المتلوّن فاجأنا باكراً  بـ”جوّ” فاتنٍ جداً ، لم نعرفه في أوجهها السابقة التي لم تغونا بالخروج معها / فيها كهذه المرة ..

وجه المطر الهتّان .. وجه الهواءِ النسيم يداعب ببرودته حرارة الجسد .. وجه الماء المتماسك يسّاقط على صحراء القلب فيروي عطش العاطفة/العاصفة فيه .. وجه الشمس ترتدي برقعاً من سحابٍ كي تشرق على مدينة كلّ أقمارها منقّبات .. وجه الشوارع تنفض غبار الأمس ، تتهيأ لغبار الغد .. وجه “فنجان القهوة” خالياً من شايع ونبيل ، وجه “رودل” يبحث عن زبون  .. وجه المملكة بمكياج الطين ، وجه “الفيصلية” لا يستطيع رؤية جمال “العنود” ..

وجه العاصمة اليوم .. يشبه لحدٍّ كبير ، فتنة فتاةٍ نجدية تتدحرج مرحاً على الرمال الكثيفة ، وقد تناثر شعرها الأسود في الهواء ، وانتثر معه كل الألم الذي غشيها طيلة أسبوع كامل: ( المذاكرة/الأرق/الحبيب/الموادّ الصعبة/الأشياء الأخرى/السوّاق الأحمق/ ..

هروب النوم من عينيّ هذا الصباح كان على وعدٍ مفاجئ مع هروب رفيقي من هذه العزلة الخانقة. كان على موعدٍ أيضاً مع هروب كل المواعيد التي كانت مخصصة لـ “week end ” هذا الأسبوع ، وواعدت حينها أنوارَ عزلتي ..

أنظر في وجهها .. تنظر في وجهي .. تهمس لي: “أنتَ بحاجة إلى كوب قهوة” . كوب قهوة فقط !

أستقل سيارتي ، وأعلم أن هذا الوقت لا يقدّم القهوة لغرباء المدينة التي سجلت في دفتر يومياتنا أن لا قهوة بعدَ الثانية عشرة ليلاً ..

هذا الصباح صادفتُ/صادقت المطر .. في المدينة الفارغة إلا مني ، ومن “عديس″ .. جلستُ أحصي قطراته القليلة جداً ، وأقارنها بعدد ما أحمله في قلبي من محابٍ لم يكتمل نموها بعد .. كلما خرجتُ من حبٍ أوقعني حبٌ آخر .. ويبقى حبّي الكبير هارباً ، ألاحقه فيهرب مني أكثر ، هو لا يلاحقني. لأنه لم يعتد هروبي ، يمارس تمنّعه عليّ ، كطفلة تختبيء عن أبيها خلف أريكة الصالون.

في هذا المكان ليست سوى الكلمات أطلقها ، والرسائل أبعثها ، والأحاديث أزجيها مع ألحانٍ لا تعرف الحزن ولا الفرح ، شيءٌ يشبه المزيج منهما .. أكبر من ذلك صورةُ وجهي مخنوقة بتعبيراتٍ شتى تتنازع عينيّ ، وشفتيّ لتعبّر عن مشاعرها كلوحة ترسمها أختي الصغرى على باب غرفة نومها ، وتقول: ما أجمل لوحتي !! وهي البعيدة عن جمال وجهي ، القريبة من قبح الخطوط المتعرجة على جبهتي آن الكتابة .. !

هنا يأتي “ضوءٍ” يسكنني ، يمنحني قلبه كي أحفظه ، فأقول له: سأحفظه ، تهتف لي “الطبيعة”ٌ من قربٍ: الجو عليل .. الطقس جميل ، والحرف هنا يبحث عن قلم وليد ..

فأسطر حرفاً ، أكتب فيه كواليس الـ”جو”، وخبايا القدر الجديد !

كلُّ شيء فيّ يمطر ..

حبي ، وحزني، ودموعي ، وقلبي ، ووحده حبري جفّ هنا ، والمطر لا زال يهطل !!

أضف تعليق